الفساد والوباء متلازمان
هذه الخلاصة ليست من كلام فقهاء الإسلام بل هي خلاصة التقرير السنوي حول الشعور بالفساد لمنظمة الشفافية الدولية (Tranceparency international) الصادر الخميس 28 جانفي 2021م. والذي سلط الضوء على الكيفية التي سهَّل بها تفشي جائحة كورونا انتشار الفساد في جميع أنحاء العالم، بحيث جاء فيه على لسان رئيسة المنظمة ديليا فيريرا روبيو (Delia Ferreira Rubio) :”أنّ (كوفيد-19) ليس مجرد أزمة صحية واقتصادية، وإنّما هو أزمة فساد، و أمرٌ نفشل حاليا في إدارته”.
فقد جاء في التقرير أنّ الفساد امتد ولم يتراجع في أكثر من ثلثي الدول التي شملتها الدراسة والتي حصلت على درجات أقل من 50 نقطة. للتنبيه يتم حساب المؤشر السنوي لمنظمة الشفافية الدولية بمقياس 1 إلى 100 نقطة لمئة وثمانين (180) دولة ومنطقة، وهو يعتمد على بيانات متعلقة بالفساد من 13 مؤسسة (البنك الدولي، دافوس، غلوبال إنسايت..) بحيث كلما انخفض عدد النقاط التي تحصل عليها دولة ما، زاد اعتبارها فاسدة من قبل الجهات الفاعلة في القطاعين العام الخاص، بحيث إذا كان المؤشر (0) فالدولة فاسدة جدا وإذا كان المؤشر (100) فالدولة خالية من الفساد، وتعتمد الدراسات على نقاط أربع (ضعف المؤسسات، غياب سيادة القانون، انتشار الإفلات من العقاب، تقييد وقمع الحريات العامة)، تتصدر المراتب الأولى الدانمارك ثم نيوزلاندا (بمؤشر 88) ثم سنغفورة (بمؤشر 85) كما تتأرجح في المرتبة السفلى (مرتبة 179) الصومال وجنوب السودان (بمؤشر 12) وقبلهما سوريا واليمن (بمؤشر 14 و 15 على التوالي) ، وتحتل الجزائر مرتبة (104) من (180) بمؤشر 36 من مئة.
فالجديد في التقرير الصادر يوم الخميس يعود لتداعيات جائحة كورونا في زيادة الفساد لدى الدول القوية والتي تزعم أنها محاربة للفساد على غرار الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوربية الغربية (وبديهيا أنّ البلدان الضعيفة هي الأكثر تضررا)، بحيث أثبت تقرير فورين بوليسي (Foreign Policy) أنّ الفساد في الولايات المتحدة الأمريكية يبدو في أسوأ مستوياته منذ نحو عقد من الزمن، وأنّ الولايات المتحدة هبطت إلى المستوى 67 بعدما كانت في المستوى 76 في عام 2015. كما ألمح التقرير إلى أنّ أنظمة الرعاية الصحية وشراء الأدوية لطالما كانت عرضة للفساد. وأنّه كلما زاد الفساد في بلد أو إقليم قلّ الإنفاق على الرعاية الصحية الذي يؤثر في تفاقم الأزمة الصحية وليس العكس، وهذا بغض النظر عن مستويات التنمية الاقتصادية. وختم التقرير بأنّ من الآثار الجانبية للوباء أنّ الكثير من الحكومات انحرفت تحت إدارة الأزمة الصحية إلى تقليص الحريات.
بديهيا أنّ أيّ أزمة صحية حادة أو طبيعية (الزلازل…) تفرض ضغوطا على المؤسسات، التي قد تُفقدها بعض القدرة على مكافحة أعمال الفساد. فبلغة المنطق أنّ الدول عادة ما تركز جهودها على الاستجابة السريعة لحالة الطوارئ للوباء وهو ما يفتح الباب أمام المفسدين للاستفادة من الأزمة لأنّ أجهزة رقابة الدولة في سلطتها الضبطية ليس لديها الوقت الكافي لمعالجة كل الانتهاكات، وهذا ما أثبتته الكثير من الدراسات مفادها أنّ الوباء يغذي الفساد وأنّ المناطق المعتادة على الكوارث الطبيعية لديها مستوى أعلى من الفساد بشكل عام وهذا على غرار ما جاء في دراسة نُشرت في منظمة “الشفافية الدولية” عام 2014م والتي أبرزت أنّ الكوارث الطبيعية مثل إعصار كاترينا في الولايات المتحدة عام 2005 أو زلزال اليابان عام 2011 قد أدت إلى ارتفاع حاد في الفساد.
ففي ظلّ هذه الجائحة المستجدة في التاريخ الحديث والتي لا يزال مستقبلها مُبْهما والتي أصبحت ذريعة لأعمال فساد واسعة في البزنسة الصحية وغيرها، يتحتم من أي وقت مضى على الدول والمنظمات العالمية الصادقة في عملها الإنساني أن تعمل جاهدة في صرف الانتباه العالمي للحيلولة دون الوقوع في الأسوأ. إنّ منظمة الشفافية الدولية صدقت في وصفها بأنّ الفساد و الوباء متلازمان وأن الوباء يغذي الفساد، وصدق الله في بيانه المبين أنّ فساد من أبرز أسباب الوباء:﴿ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون﴾ [الروم:41]
د. صالح الدين يوسف عزيز البسامي قسم السياسة الشرعية جامعة مالايا (ماليزيا)